حلقة 21
محمود السعدني
28 فبراير 1928 – 4 مايو 2010
مسقط رأس: القاهرة
علاقتي بمحمود السعدني بدأت في النصف الأول من التسعينات عندما كان يكتب مقالا إسبوعيا بعنوان "هذا الرجل" في مجلة الأهرام الرياضي التي كنت أتابعها خلال تلك الفترة، المقال الإسبوعي كان دائما ما يتعلق بالكرة مع ربط الموضوع بأحد الشخصيات المعروفة، ومنذ اللحظة الأولى انبهرت بخفة دم الرجل الخارقة، خفة دم معجونة بجرأة في الحكم وسلاطة لسان واضحة وكم ضخم من الذكريات المثيرة. أصبحت من مدمني هذا المقال الإسبوعي وإن كنت بدأت أثور وأغضب من حين لآخر عندما أجد السعدني يتجرأ ويهاجم أشخاص أحبهم وأحترمهم، وأندهش من وقوعه أحيانا في أخطاء توحي بأنه "مثلا" لا يعرف قوانين البطولة الكروية التي يكتب عنها وينتقدها بشكل لاذع، الأمر الذي أدى وقتها (وكنت لا أزال أحبو في عالم الوعي والقراءة) لتكوين حاجز نفسي ما بيني وبين كتابات محمود السعدني.
بعدها بعدة أعوام اصطدمت بكتاب "عودة الحمار" مطبوعا ضمن سلسلة كتاب اليوم.. طبعة أنيقة علي غلافها كاريكاتير مغري وبسعر مناسب للمصروف الموجود في جيبي، اتخذت القرار واشتريت الكتاب وبدأت قرأته لأدخل من خلاله رسميا عالم محبي الولد الشقي.. ربما لتميز الكتاب أو لارتفاع مستوى وعيي الشخصي أو لإدراكي ببطء لسر تميزه.. لا استطيع أن أجزم ولكن ما أعرفه أنني ومن يومها صرت قارئ مستمر لكتابات محمود السعدني، لا يمر عام سوى وقد قرأت فيه ثلاثة أو أربعة كتب له.
ومع كل كتاب أقرأه أفهم أكثر سر هذا الرجل الاستثنائي صاحب الشخصية الغريبة، لأصبح موقنا بأنهم أكثر الكتاب الساخرين في التاريخ "مصرية".. كل العيوب التي صادفتها معه فهمت لاحقا أنها مرتبطة تماما بمصريته، فهو يكتب بمنطق المصري الفهلوي الفاهم في جميع الأمور.. خفة الدم منحه وهبها له خالقه ولم يكتسبها بالتعلم.. وسلاطة اللسان عادة أصيلة لا يمكن التخلص منها.. نفس التركيبة تقريبا تجدها في شاعر العامية الأعظم أحمد فؤاد نجم.. فكلاهما (السعدني ونجم) نموذجان مثاليان للفن المصبوغ باللون المصري.. قد تتفق أو تختلف معهما.. تكرههما أو تحبهما.. لكنك لا تستطيع أبدا أن تنفي عنهما أنهما مصريان قلبا وقالبا. والسعدني مصري ساخر حتى في وفاته.. فكأن الله أراد له أن يستمر ساخرا حتى في موته، ففاضت روحه إلى بارئها يوم 4 مايو الماضي، عن عمر 82 عاما، ليضع بذلك آخر لمحة ساخرة له، حيث كان هناك رجل آخر يحتفل في نفس اليوم بعيد ميلاده رقم 82 أيضا.. دون أدنى علامة عن اقتراب عمره "المديد" من النهاية!
احتفالية خاصة فرغت لتوي من قراءة كتاب محمود السعدنى الرائع "المضحكون"، والذي يطرح فيه وجهة نظره في أشهر فناني الكوميديا في مصر، وقد أدركت أثناء قراءتي للكتاب أنني مهما تمكنت من التجويد في الكتابة عن المضحكين فلن أكون بنفس مهارة المضحك الأكبر محمود السعدني. لذلك قررت أن تكون الحلقات الست القادمة من سلسلة "ناس من مصر" بمثابة احتفالية خاصة، نحتفي فيها بستة من أبرز نجوم الكوميديا عبر كلمات محمود السعدني، وخلال الحلقات الست سأترك للجميع فرصة الاستمتاع بسطور كتبها الولد الشقي عام 1967 عن أشخاص توقع لهم الاستمرار في ذاكرة مصر، لتصدق نبوءته ونظل مخلصين لهم بعدها بأكثر من أربعين عاما.
No comments:
Post a Comment