Saturday, November 27, 2010

حلقة 30 - محمد متولي الشعراوي

حلقة 30

محمد متولي الشعرواي

5 أبريل 1911 – 17 يونيو 1998

مسقط رأس: دقادوس – ميت غمر - الدقهلية

في تسجيل قديم ونادر أذاعته قناة "التلفزيون العربي" خلال أيام بثها المعدودة شاهدت الشيخ الشعراوي في شبابه يتحدث وهو جالس جلسته المعتادة عن أحد أكثر الموضوعات إثارة للجدل الديني في التاريخ: التسيير والتخيير، وبسلاسته المعهودة وضع إجابة تبدو وافية وشافية بكلمات معدودة معبرة، ثم انطلق ليختم حديثه بسرد حقيقة بديهية في العموم، شديدة الذكاء في سياقها، حيث قال: "خلق الله الكائنات، بشر وحيوان ونبات وجماد، واختار الإنسان ليجعله أكثر هذه الكائنات رقيا، ولكي يجعله هكذا ميزه بميزة واحدة: العقل".

ها هو الشيخ الجليل ومشواره البارز يفسر نفسه في مشهد لم يتخط الثلاث دقائق، تفسير جليّ لرجل دين استثنائي بكل ما تحمل الكلمة من معان. فالشعرواي أسطورة صنعها العقل، صنعها عقله الذي حباه الله بهذه القدرة على هضم النص والخروج منه بتفسير بديع قريب من القلب، يحمل من الجزالة والعمق نفس القدر الذي يحمله من البساطة واليسر، ويرتبط بصميم الدين بنفس قدر ارتباطه بحياة المستمعين وهمومهم اليومية.. تفسير له مذاق مختلف لم ولن يتواجد عند أحد غيره.

الشعراوي كان أسطورة عصره الدينية وهو يستحق، فهو هذا المزيج العجيب بين عالم الدين الأزهري التقليدي، والفلاح صاحب الحجة التي لا تخلو من دهاء، والأب الطيب الرؤوف بمن يحدثهم، والفيلسوف عميق الخبرة بالحياة، وعالم اللغة المتمكن من النص القرآني، وقبل كل هذا المصري المعجون بسمات إنسانية يصعب اجتماعها داخل أي شخص على وجه الأرض.

وكما كان الشعراوي أسطورة عصره فقد أيضا نتيجته وإفرازه، فهو النتيجة الطبيعية للبيئة المتفتحة بالفطرة التي نشأ فيها، والمجتمع المتعدد الذي دخله مبكرا، والوعي العام الذي كان ميالا لإعمال العقل. عصر كان فيه الرمز الديني هو ذا الرجل ذي الهيئة السمحة واللحية المصرية التقليدية، الجالس بجلباب أزهري متربعا بارتياح على منبر يتوسط أشخاص أتوا ليحدثهم بود في أمور تنطلق من الدين لتلتحم بحياتهم اليومية. ولعل الشعراوي ذاته لم يكن ليحقق أي نجاح يذكر في زمننا الحالي، بل ربما كان قد تعرض للسخرية والعداوة والاتهام. فزمننا الحالي يمتلك تصورا شديد الاختلاف للرمز الديني، تصورا يبدو الأقرب له رجل إما عابس الوجه أو مبتسم ببلاهة، يجلس وحيدا في استوديو تلفزيوني، معزولا عن الناس ولكنه غير قادر على منع نفسه من التشنّج عليهم، مصدرا دفعات متتالية من التصريحات والأحكام القاطعة، التي لا تعرف الفلسفة أو التدبر ولكنها تعرف الغلوّ والبلادة والارتباط الوثني بظواهر النصوص دون محاولة لإعمال العقل فيها. الشعرواي كان وليد عصره وأسطورته فهنئيا لهم به، وهنيئا لنا بعصرنا ورموزه!

Monday, November 22, 2010

حلقة 29 - سيد مكاوي

حلقة 29

سيد مكاوي

5 مايو 1926 – 21 أبريل 1997

مسقط رأس: الناصرية – السيدة زينب - القاهرة

هل الصوت البشري كائن له صفات؟ وهل يمكن أن يكون للصوت شخصية واضحة؟ وهل يمكن أن يكون هناك صوت مبهج بطبيعته دون أن يحتاج لأي كلمات يقولها؟ وهل من الجائز أن تسمع صوتا لتخيل صاحبه والابتسامة لا تفارق شفتيه؟ ابتسامة المحب العاشق لما يفعله، والمبدع الاستثنائي الذي يعلم أن كل الجالسين أمامه ينظرون له بحب وحتى لم يراهم، وصاحب المزاج الذي يغني لكي "يسلطن" نفسه قبل أي شخص آخر!

إذا كنت تشك في كل ما سبق فأنت ببساطة لم تحظ بمتعة سماع سيد مكاوي، أكثر من غنى في تاريخنا بهجة، وصاحب أجمل ابتسامة مسموعة، وصاحب البصمة الأوضح في الموسيقى المصرية. ليست البصمة الأوضح باعتبارها دشنت تيارا تاليا أو غيرت في شكل قديم، ولكنها الأوضح لأن سيد مكاوي هو الملحن الوحيد تقريبا الذي لا يمكن لأي مستمع أن يخطئ تمييز لحن له حتى ولو كان يسمعه للمرة الأولى، وعلى مدار تاريخنا الموسيقى العريض شهدنا العديد من المبدعين ممن فاقوه موهبة وإنتاجا، ولكنه يقف بينهم متوجا بامتلاك مشروع موسيقي حقيقي يجعله يبتعد كثيرا عن المقارنات لأنه باختصار لا يشبه أحدا ولا يمكن لأحد أن يشبهه.

السمة السابقة جعلت ألحان سيد مكاوي تمتاز بشيء فريد هو حضوره الدائم فيها بغض النظر عن المغني، ستستمع كثيرا بوردة في ألحان بليغ وعبد الوهاب لكن صوتها سيمحى من ذهنك وأنت تستمتع ل "أوقاتي بتحلو" أو "شعورى ناحيتك" ليضع عقلك تلقائيا صوت سيد مكاوي بدلا منه، وستستغرب وأنت تجد نفسك غير قادر على تمميز صوت صباح المليء بالدلع يغني "أنا هنا هنا يابن الحلال" من شخصية الرجل الضرير التي تقفز من داخل كل حرف في الاغنية، وستكتمل دائرة الدهشة عندما تجد أن (يا مسهرني) هي الأغنية الوحيدة في مشوار أم كلثوم التي تختلف تماما عن باقي مشروعها الغنائي، فسيد مكاوي ببساطة هو الشخص الوحيد الذي تمكن من استخدام أم كلثوم –وما أدراك ما هي- لتصبح مجرد محطة في مشروعه الموسيقى الفريد!

Wednesday, November 10, 2010

حلقة 28 - سعيد صالح

حلقة 28 – احتفالية المضحكين

(حلقة خاصة بقلم محمود السعدني)

سعيد صالح

21 يوليو 1938

مسقط رأس: القاهرة

"ويأتي بعد ذلك سعيد صالح في المقدمة من شلة العيال. وهو أخفهم دما، بل هو أخف دم مضحك على الإطلاق، وهو قادر على إضحاك الطوب بحركة أو يلفتة وبإشارة من إصبعه الصغير. ثم هو لأنه نجا بمعجزة من عملية حشو الرأس بشعارات المثقفين، ودعاوي الأدعياء! ولأنه نبيت شيطاني فهو ابن الطبيعة، وهو ممثل لأنه خلق ليحترف هذه المهنة، وهو يشترك مع علي الكسار في ميزة هامة هو أنه لا يتعمد التمثيل، ولكنه يتحرك على المسرح كما يتحرك في الشارع ويتكلم بين شلة من الأصدقاء المقربين. إنه الولد الأهبل المعبوط المنشرح الصدر المفكوك زراير البنطلون، صاحب الغفلة الحلوة، والمبهج لكل ما يحدث في الحياة من أفراح وأتراح ومصائب سودة وبلاوي متلتلة! ولو تعقل سعيد صالح قليلا، ولو انضبط قليلا في حياته وفي سلوكه، ولو ادخر كل جهده وكل قوته للعمل لانفجر مثل قنبلة زنة ألف رطل"

محمود السعدني – كتاب "المضحكون" – فصل "العيال"

حلقة 27 - حسن مصطفى

حلقة 27 – احتفالية المضحكين

(حلقة خاصة بقلم محمود السعدني)

حسن مصطفى

16 يونيو 1929

مسقط رأس: غير معروف

"وسترى حسن مصطفى دائما في دوره التقليدي دون أن تمل، لأنه لا يكرر ولا يقلد نفسه، بل هو قادر دائما على إضافة حركة جديدة تجعله جديدا أمام الناس وهو دائما وحتى في أتفه الأدوار سيجد لازمة تضحك من الأعماق، كحة، تفة، نظرة، همهمةن إشارة، المهم سيجد شيئا وأنك ستضحك على الدوام، ويا ميت خسارة على حسن مصطفى، لو وجد دورا يلائمه لبرز إلى المقدمة، ولكن سوء الحظ أوقعه في براثن فرقة الفنانين المتحدين، حيث يكون التركيز كله على النجوم الكبار وحيث يتعين على نجوم الوسط أن يبحثوا لأنفسهم عن موضع لقدم في الزفة!

ولكن الذي أريد أن اقوله أن حسن مصطفى لم يعثر على دور مناسب بعد. وإن امكانياته أغنى بكثير مما ظهر منها حتى الآن، وهو منجم لم يصل العمال إلى أعماقه، وبئر بترول لم تستغل إلا الطبقة الأولى منه، وهو كتاب لم تقرأ إلا بعض صفحاته! ولكني أخاف على حسن مصطفى من الخوف، فهو دائما خائف ومذعور من البطالة.. وهو لذلك يقبل أي دور وكل دور في سبيل أن يبقى شغالا كالطاحونة. وفي السينما لم يعثر على نفسه بعد لأنه جالس دائما إلى جوار التليفون في انتظار الأوردر!"

محمود السعدني – كتاب "المضحكون" – فصل "الظريف"

حلقة 26 - الضيف أحمد

حلقة 26 – احتفالية المضحكين

(حلقة خاصة بقلم محمود السعدني)

الضيف أحمد

12 ديسمبر 1936 – 16 أبريل 1970

مسقط رأس: تمى الأمديد - الدقهلية

"هو أراجوز الجوق بشكله وحجمه.. المضحك المختار، وكانت الطبيعة خية معه فأعطته كل ما يجعل الرجل العادي منفرا، ويجعل الرجل المضحط محبوبا! الحجم السفروت، والوجه المغضن المقلحف المعبر، والبق المفشوخ كبوابة جهنم، والظهر المحدودب، والسيقان كأنها سيقان معزة المرحوم غاندي! أراجوز لا شك. فإذا كان الأراجوز يتمتع بعقل، ومن تجربة الحياة استطاع أن يستخلص لنفسه ثقافة معينة وفهما محددا، إذا حدث هذا الفنان بين ما أعطته الطبيعة وما منحته التجربة، كانت النتيجة فنا عظيما تماما كما يتعانق النيل الأزرق والنيل البيض عن أم درمانن ليخرج من هذا العناق العظيم النيل الأعظم"

محمود السعدني – كتاب "المضحكون" – فصل "الممثل المضحك كداب الزفة"

Wednesday, November 3, 2010

حلقة 25 - محمود شكوكو

حلقة 25 – احتفالية المضحكين

(حلقة خاصة بقلم محمود السعدني)

محمود شكوكو

1 مايو 1912 – 21 فبراير 1985

مسقط رأس: الدرب الأحمر - القاهرة

"وشكوكو يعكس بملامحه ونفسيته شخصية ابن البلد المصري الطيب الضحوك الولوع بالفرفشة والانبساط. وهو بسيط بساطة المصري الطيب، فلا هو معقد ولا متقعر، وهو حتى في نقده للحياة ينقدها وانما في رفق، كأنه يعالج زجاجة يخشى عليها من الكسر، ثم هو يريدها في النهاية أن تعتدل من أجل أن تستقيم الحياة للمتعة والمزاج. وهو بهذه البساطة استطاع أن يعبر مئات الكباري التي أقامها الفلاسفة والمفكرون لكي يصلوا في النهاية الى نفس النتيجة التي وصل إليها شكوكو بلا فلسفة ولا تعقيد. وهو بهذا الخط المستقيم استطاع أن يصل إلى قلوب الملايين، لدرجة أنه ذات يوم أصبح له تماثيل تباع في الشوارع، وما من دكان جزار أو بقال أو حلاق، وخصوصا في الأحياء البلدية، إلا وكان يزينه تمثال للبطل شكوكو!

وإذا كانت هذه التماثيل قد استخدمها البعض مادة للهجوم على شكوكو، فهي في الواقع كانت دليلا على نبوغه. فلم يكن شكوكو وقتئذ زعيما لحزب، ولم يكن يمسك في يده بسيف المعز وذهبه. ولكنه كان مجرد فنان أرزقي دخل قلب المصري البسيط لدرجة أنه صنه له تمثالا، لكي يصبح شكوكو في العين بعد أن أصبح يملأ القلب والجوانج والفؤاد"

محمود السعدني – كتاب "المضحكون" – فصل "الأراجوزات"