حلقة 8
تحية كاريوكا
22 فبراير 1915 – 20 سبتمبر 1999
مسقط رأس: الإسماعيلية
في ذكرى رحيلها الحادية عشر يجب أن أعترف بأنه من حسن الحظ أن ترتب التواريخ كون تحية "الاستثنائية" هي أول سيدة أتحدث عنها في ناس من مصر. فحياتها الثرية كافية للكتابة في أضعاف أضعاف هذه المساحة. يمكن الحديث طويلا عن تفردها في تاريخ الرقص الشرقي كأفضل راقصة بشهادة الجميع حتى أن مفكرا عظيما بقيمة إدوارد سعيد وصف أداءها بأنه "يوحي بشيء كلاسيكي وتذكاري احتفالي بالوفت نفسه" وأن الابتسامة على وجهها "تخرس أي بهجة مسرحية مقترنة بالمشهد والرقص، وتطهرهما بفضيلة التركيز المنصب على دواخلها العميقة وأفكارها الشاردة". بإمكاننا أيضا التحدث عن موهبتها التمثيلية التي جعلتها (وهي الراقصة بالأساس) تضع اسمها بسهولة كواحدة من أفضل عشر ممثلات في تاريخنا السينمائي. أو يمكن التحدث عن مواقفها السياسية الوطنية (كمصرية) والقومية (كعربية) والنقابية (كفنانة). الكثير من النقاط يمكن إثارتها عن تحية كاريوكا ولكن الحقيقة أن الصفة الأهم والتي أحب أن أطرحها هو كون حياتها هي التصوير الأمثل لقيمة الجرأة والشجاعة.
فتحية كاريوكا امرأة لا تعرف الحلول الوسط، ولم تسمع أبدا باختراعات النفاق أو الالتفاف أو التحايل. تذكرني مراحل حياتها كلها (وأنا أعلم ما سيفتحه على هذا التشبيه من مصائب) بليلة إسلام عمر بن الخطاب. فهو مثلها لم يكن يعرف معنى الجبن أو الخوف في أمر يؤمن به، فيسأل بمنتهى البساطة: ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟ ففيم الاختفاء؟ هكذا بمنتهى البساطة أصبحت ليلة إسلامه هي ليلة الجهر بالدين كله. مثله كانت تحية (مع عدم جواز القياس بالطيع) لا تخاف أحدا فيما تؤمن به، تؤمن بالشيء فتفعله ببساطة ومباشرة وبمنتهى الجرأة: ليست جرأة راقصة مبتذلة، بل جرأة سيدة مصرية تعرف جيدا حدود الأصول.
آمنت تحية بجمالها وموهبتها وقدرتها على النجاح فرحلت من بلدها وهي لا تزال مراهقة لتخوض غمار التجربة في القاهرة، آمنت بموهبتها فرقصت ومثلت وملأت الدنيا صخبا ونجاحا ساحقا، لم يعجبها تصرفات الثورة الوليدة فصرحت ببساطة أنه "ذهب فاروق وجاء فواريق" وانضمت لتنظيم يساري لينتهي بها الأمر في المعتقل لما يزيد عن الثلاثة أشهر، ثم آمنت بقضية العروبة فلم تتوان في وسط مهرجان كان أن تنهال بالسباب (ويقال بالضرب) على الممثلة الأمريكية سوزان هيوارد عندما سمعت تقول كلاما مسيئا في حق مصر، وآمنت بجمال بنات جلدتها فكانت أول وآخر من يسير على السجادة الحمراء لمهرجان كان بالملاية اللف والمنديل بأوية!
وقعت في الحب ووقع الرجال في حبها فلم تدخل علاقة غير مشروعة وكان ردها الدائم "لو بتحبني اتجوزني" ليصل عدد زيجاتها لأربعة عشر (ويقال أكثر)، كرهت ما رأته في نكسة يونيو فكونت فرقة مسرحية قدمت بها مسرحيات لاذعة لانتقاد النظام، تعاطفت مع القضية الفلسطينية فسافرت في مظاهرات بأثينا وقبرص للاعتراض على تصرفات إسرائيل وهي في الثالثة والسبعين من عمرها، ثم اعتصمت وامتنعت عن الطعام وهي على أعتاب الثمانين احتجاجا على قانون النقابات الفنية سيئ السمعة. وقررت في أعوامها الأخيرة ارتداء الحجاب ففعلتها بتلقائية دون أي حديث أو جعجعة إعلامية.
وقبل كل ذلك لم تفقد للحظة الإيمان بنفسها، فلم تتوار من أجل الحفاظ على صورتها الساحرة، فعاشت تحت الأضواء حتى أيامها الأخيرة، حتى بعدما تسبب المرض في تغيير معالم الجسد الذي سحر الملايين؛ ظلت تحية تظهر بمنتهى البساطة والأريحية وكأنها تقول للجميع بطريقتها المباشرة الساحرة: اللي مش عاجبه يتحرق!
شاهد مقاطع متنوعة لتحية كاريوكا
حوار شهير يجمع تحية كاريوكا وسامية جمال
عزيز عثمان يغني تحت الشباك وتحية ترقص من فيلم لعبة الست
فريد الاطرش يغني وتحية ترقص من فيلم احلام الشباب
مشهد طلاق تحية ونجيب الريحاني من فيلم لعبة الست
وحمل كتاب (شخصيات لها تاريخ) لجلال أمين وفصل كامل عن تحية كاريوكا (كلمة السر: ibtesama.com )
No comments:
Post a Comment