Tuesday, February 15, 2011

حلقة 31 - حسب الله الكفراوي

حلقة 31

حسب الله الكفراوي

30 نوفبر 1930

مسقط رأس: كفر سليمان – كفر سعد – دمياط

أذكر في طفولتي وبالتحديد مع بدء معرفتي لأن هناك ما يدعى بالوزارات ومتابعتي باهتمام طفولي للكاريكاتير الإسبوعي في أخبار اليوم لفلاح كفر الهنادوة ورئيس الوزراء عاطف صدقي، أنني حاولت وقتها أن أعرف جميع أسماء الوزراء، وأنني دأبت على جمعها من الصحف اليومية، وأذكر جيدا أن بعض الأسماء قد علقت في ذهني ولا تزال حتى يومنا هذا، منهم وزير الداخلية عبد الحليم موسى "من باب ارتباط الأمر بعمل والدي"، ووزير التربية والتعليم حسين كامل بهاء الدين "من باب ارتباط الأمر بعمل والدتي"، ووزير الإعلام صفوت الشريف "بحكم ظهوره المستمر بجوار الرئيس في التلفزيون"، بالإضافة إلى ثلاثة وزراء كنت أراهم باستمرار في الصحف يتحدثون عن خططا ومشاريع وعلاقات لم أفهمها، الثلاثة كان حضورهم لافتا وصورهم مميزة بحيث يسهل تمييز أشكالهم بالنسبة لطفل في الثامنة أو التاسعة، كان الثلاثة هم وزير الخارجية عمرو موسى ووزير الكهرباء ماهر أباظة ووزير الإسكان حسب الله الكفرواي.

حتى هذه اللحظة كان الأمر مقتصرا على أشكال وجوههم على صفحات الجرائد، والتي سرعان ما اختفى من بينها وجه الكفراوي باستقالته عام 1993 بعد 17 عاما قضاها وزيرا في وزارة تغير اسمها وصلاحياتها في كل تشكيل وزاري جديد. وعندما كبرت قليلا وتمكنت أخيرا من القراءة والفهم والمقارنة، فهمت أن تمييز طفل ساذج للأسماء الثلاثة لم يكن مجرد توفيق شكلي، بل إن الأمر له علاقة "ودعني أخاطر بقولها" بمنحة إلهية للأشخاص الثلاثة تمثلت في أعمالهم وحب الناس لهم، وتوجت ببقاءهم في بلدهم مكرمين في ظل انهيار وهروب العديد والعديد من رموز النظام السابق الذي كان الوزراء الثلاثة جزءا منه "واستثني المهندس ماهر أباظة الذي توفي وسط تكريم رسمي وشعبي".

عاد الكفراوي ليكون ملء السمع والبصر مجددا بعد سقوط مبارك، وتسابقت الفضائيات للحصول على حوار مع الرجل الذي تخطى الثمانين والذي كان لسنوات طويلة بعيدا أو مبعدا عن الأضواء بفعل النظام المخلوع، وتداول الشباب ممن لم يكونوا يعلمون بوجود وزير حمل هذا الاسم تسجيلات لأقوال الكفرواي واعترافاته، والحقيقة أنني وقفت كثيرا محاولا فهم سر الشعبية التي اكتسبها الرجل خلال أيام أقل ما توصف به هو الزخم في مهاجمة النظام السابق ورصد أوجه الفساد فيه، فلو كان الكفراوي قد خرج بتصريحاته قبل شهر من الآن لكان طبيعيا أن ينال إعجابا يتعلق بكسره لحاجز الصمت وحديثه عما شاهده، لكن الآن ووسط هذا الكم الرهيب من لاعني مبارك وحكمه، لماذا أحب الناس الكفراوي؟

والحقيقة أنني توصلت لأكثر من سبب للأمر، السبب الأول هو شخصية الكفراوي نفسها، فالناس الذي تعودوا في الأعوام السابقة على حكومة رجال الأعمال وعلى الوزراء الذين يتحدثون عن عالم افتراضي يؤمنون وحدهم بوجوده، تعودوا على وزراء تفوح الأبهة من مظاهرهم ويحمل حديثهم عبق القصور التي يعيشون فيها، وجد الناس أنفسهم فجأة أمام فلاح دمياطي لم يتخلص طوال سنوات عمره من اللكنة الريفية ومن التفكير بطريقة رب الأسر البسيط، ومعه مذيع يقول لهم أن هذا الرجل كان وزيرا لقرابة العقدين من الزمان!

السبب الثاني هو عامل المفاجأة في أقوال الكفراوي، وتذكيره لنا بأرقام كنا قد نسينا وجودها على سطح الكوكب، تخيل معي شعور شاب يسمع للمرة الأولى أن طن الأسمنت كان ثمنه 90 جنيها، وطن الحديد 600 جنيها، وسعر المتر في السادس من اكتوبر 35 جنيها، وسعر الشقق 6 و14 ألف جنيه بالتقسيط على 27 عاما، وأن كل هذه الأرقام لم تكن في عصور ما قبل التاريخ، بل كانت في النصف الأول من التسعينيات!

السبب الثالث هو التهذيب الشديد وشموخ الكبار في حديث الكفراوي، فالرجل الذي أصبح بإمكانه سب الجميع وفضحهم بل والادعاء عليهم بما ليس فيهم دون أن يملك أحد تكذيبه، تمسك بنفس طريقته طوال السنوات الماضية، وهي أن يروي الوقائع دون ذكر اسماء القائمين بها، والإعلان عن استعداده للتصريح بالأسماء في التحقيقات الرسمية حتى يكون للشهادة معنى حقيقي، ولكنه التهذيب الذي لا يمنعه من أن يهاجم الفاسدين على طريقة الأب المصري، وأن يتمنى ضربهم بالجزم عقابا على ما اقترفوه، وفي التناقض تكمن مشاعر الرجل الشريف الذي لم تطل ذمته أي شبهة فساد، والذي يشعر بحجم جرم استغلال النفوذ، فيروي بفخر عن قيامه بنقل رئيس نقابة أراد سرقة الشعب إلى وظيفة عامل تشغيل بمحطة صرف صحي، لأنه يرى أن "الوسخ يجب أن يوضع في مكان يليق به"!

No comments:

Post a Comment