Saturday, October 30, 2010

حلقة 24 - ابراهيم البطوط

حلقة 24

ابراهيم البطوط

20 سبتمبر 1963

مسقط رأس: بورسعيد

نوقف احتفالية المضحكين مؤقتا لكي نحتفل بشيء أكثر حداثة وأجمل مذاقا، وبرجل أصبح في غضون سنوات قليلة ملهما لي وللمئات من محبي السينما في مصر.. عن ابراهيم البطوط أتحدث..

والحقيقة أنني أخشى بشدة من الحديث عن شخص أعرفه شخصيا، وأظل دائما متوجسا من فكرة اعتبار أي ثناء نوع من النفاق أو التحيز، بنفس قدر خوفي من التعليق على حدث طازج، خشية من الوقوع في فخ التسرع في الحكم على الأمور ومن التحول لواحد من محترفي "الظياط" على كل جديد. ولكن عندما يتعلق الأمر بشخص مثل ابراهيم البطوط، وبخبر مثل حصوله فيلمه "حاوي" على جائزة أفضل فيلم من مهرجان الدوحة ترايبيكا فالأمر يختلف. فشخص مثل ابراهيم البطوط لا يمكن أن تنافقه لأن كل كلمة ستكتبها سيستحق هو أكثر منها، وأشخاص مثل ابراهيم البطوط هم بالتحديد من يعد التحيز لهم فرضا على كل انسان عاقل.

ابراهيم هو الملهم.. وجوده بيننا هبة من الله.. هبة لأنك في كل مرة تراه فيها تتعلم بهدوء شديد العديد من الدروس الغالية.. تتعلم أنك من الممكن أن تقضي نصف عمرك تشاهد الموت لتخرج من التجربة عاشقا للحياة.. تتعلم أن الانسان والفنان الحقيقي هو الذي كلما ازداد نجاحا كلما ازدادا تواضعا وتهذيبا والتحاما بمن هم دونه.. تتعلم أن النجاح ممكن في أسوأ الظروف طالما آمنت به ورغبت فيه.. تتعلم أنك لا تحتاج مبالغ خيالية لتصنع سينما حقيقية، وأن حب من حولك ومساندتهم لك بدافع الايمان بك وبما تفعله يمكن أن تفوق قيمته ملايين الجنيهات.. وتتعلم قبل كل ذلك أنه وبالرغم من كل الأزمات والكوارث والمصائب، فإن مصر ستظل قادرة على إنجاب أشخاص مثل ابراهيم البطوط.

ولذلك أبارك لنفسي وللجميع قبل أن أبارك لابراهيم.. فنحن الفائزين الحقيقيين بهذه الجائزة.

حلقة 23 - ابراهيم سعفان

حلقة 23 – احتفالية المضحكين

(حلقة خاصة بقلم محمود السعدني)

ابراهيم سعفان

21 مارس 1924 – 4 سبتمبر 1982

مسقط رأس: غير معروف

"وسر لمعان ابراهيم سعفان منذ أول لحظة ظهر فيها هو التصاقه الشديد ببيئته الريفية، واندماجه السريع ببيئته الجديدة في المدينة. نموذج الفلاح المتعلم الذي هجر القرية إلى دنيا جديدة. لم يغرق تماما في طين القرية ولم يسبح بكامله في نهر المدينة ولكنه ظل معلقا بين الاثنين. نصفه في نهر المدينة، وعلى وجهه علامات الانبهار لما هو فيه وعلامات الألم لما كان عليه ! وفي نفسه تردد الحياة التي تموج أمام عينيه، وحنين شديد للحياة التي تركها خلف ظهره. هذا الانبهار والألم والتردد والحنين هي أهم مميزات ابراهيم سعفان، وهي عدة شغله في عالم الفن الكبير"

محمود السعدني – كتاب "المضحكون" – فصل "الهرم"

Friday, October 29, 2010

حلقة 22 - عبد المنعم ابراهيم

حلقة 22 – احتفالية المضحكين

(حلقة خاصة بقلم محمود السعدني)

عبد المنعم ابراهيم

24 أكتوبر 1924 – 17 نوفمبر 1987

مسقط رأس: من مواليد بني سويف لأسرة تعود لقرية ميت بدر حلاوة – الغربية

"يا ميت خسارة على عبد المنعم ابراهبم قطعة حجر ياقوت في زنزانة مساجين كلهم خرمانين وكلهم يبحثون عن سيجارة ! يا ميت خسارة عليه بئر بترول في صحراء جرداء يبحث سكانها عن زجاجة ماء مثلج دون جدوى ! شيء باهر جدا لكن لا قيمة له في السوق المنصوبة. والحياة دائما تحتضن من تريده حتى ولو كان الذي تريده هو يزيد بن معاوية !

ولعل سبب ضمور عبد المنعم ابراهيم في المسرح أنه داخ دوخة الأرملة في مسرح اسماعيل ياسين.. أي دور وأي كلام وأي حاجة.. لم يلتفت عبد المنعم ابراهيم إلى أنه من الممكن أن يكون له مسرح أو تكون له فرقة. ولك يعن كثيرا بأن يبحث عمن يكتب له نصا، ولكنه ترك الأمور سبهللة، أو بالعربي الفصيح تجري على أعنتها"

محمود السعدني – كتاب "المضحكون" – فصل "الخواجة"

Thursday, October 28, 2010

حلقة 21 - محمود السعدني

حلقة 21

محمود السعدني

28 فبراير 1928 – 4 مايو 2010

مسقط رأس: القاهرة

علاقتي بمحمود السعدني بدأت في النصف الأول من التسعينات عندما كان يكتب مقالا إسبوعيا بعنوان "هذا الرجل" في مجلة الأهرام الرياضي التي كنت أتابعها خلال تلك الفترة، المقال الإسبوعي كان دائما ما يتعلق بالكرة مع ربط الموضوع بأحد الشخصيات المعروفة، ومنذ اللحظة الأولى انبهرت بخفة دم الرجل الخارقة، خفة دم معجونة بجرأة في الحكم وسلاطة لسان واضحة وكم ضخم من الذكريات المثيرة. أصبحت من مدمني هذا المقال الإسبوعي وإن كنت بدأت أثور وأغضب من حين لآخر عندما أجد السعدني يتجرأ ويهاجم أشخاص أحبهم وأحترمهم، وأندهش من وقوعه أحيانا في أخطاء توحي بأنه "مثلا" لا يعرف قوانين البطولة الكروية التي يكتب عنها وينتقدها بشكل لاذع، الأمر الذي أدى وقتها (وكنت لا أزال أحبو في عالم الوعي والقراءة) لتكوين حاجز نفسي ما بيني وبين كتابات محمود السعدني.

بعدها بعدة أعوام اصطدمت بكتاب "عودة الحمار" مطبوعا ضمن سلسلة كتاب اليوم.. طبعة أنيقة علي غلافها كاريكاتير مغري وبسعر مناسب للمصروف الموجود في جيبي، اتخذت القرار واشتريت الكتاب وبدأت قرأته لأدخل من خلاله رسميا عالم محبي الولد الشقي.. ربما لتميز الكتاب أو لارتفاع مستوى وعيي الشخصي أو لإدراكي ببطء لسر تميزه.. لا استطيع أن أجزم ولكن ما أعرفه أنني ومن يومها صرت قارئ مستمر لكتابات محمود السعدني، لا يمر عام سوى وقد قرأت فيه ثلاثة أو أربعة كتب له.

ومع كل كتاب أقرأه أفهم أكثر سر هذا الرجل الاستثنائي صاحب الشخصية الغريبة، لأصبح موقنا بأنهم أكثر الكتاب الساخرين في التاريخ "مصرية".. كل العيوب التي صادفتها معه فهمت لاحقا أنها مرتبطة تماما بمصريته، فهو يكتب بمنطق المصري الفهلوي الفاهم في جميع الأمور.. خفة الدم منحه وهبها له خالقه ولم يكتسبها بالتعلم.. وسلاطة اللسان عادة أصيلة لا يمكن التخلص منها.. نفس التركيبة تقريبا تجدها في شاعر العامية الأعظم أحمد فؤاد نجم.. فكلاهما (السعدني ونجم) نموذجان مثاليان للفن المصبوغ باللون المصري.. قد تتفق أو تختلف معهما.. تكرههما أو تحبهما.. لكنك لا تستطيع أبدا أن تنفي عنهما أنهما مصريان قلبا وقالبا. والسعدني مصري ساخر حتى في وفاته.. فكأن الله أراد له أن يستمر ساخرا حتى في موته، ففاضت روحه إلى بارئها يوم 4 مايو الماضي، عن عمر 82 عاما، ليضع بذلك آخر لمحة ساخرة له، حيث كان هناك رجل آخر يحتفل في نفس اليوم بعيد ميلاده رقم 82 أيضا.. دون أدنى علامة عن اقتراب عمره "المديد" من النهاية!

احتفالية خاصة فرغت لتوي من قراءة كتاب محمود السعدنى الرائع "المضحكون"، والذي يطرح فيه وجهة نظره في أشهر فناني الكوميديا في مصر، وقد أدركت أثناء قراءتي للكتاب أنني مهما تمكنت من التجويد في الكتابة عن المضحكين فلن أكون بنفس مهارة المضحك الأكبر محمود السعدني. لذلك قررت أن تكون الحلقات الست القادمة من سلسلة "ناس من مصر" بمثابة احتفالية خاصة، نحتفي فيها بستة من أبرز نجوم الكوميديا عبر كلمات محمود السعدني، وخلال الحلقات الست سأترك للجميع فرصة الاستمتاع بسطور كتبها الولد الشقي عام 1967 عن أشخاص توقع لهم الاستمرار في ذاكرة مصر، لتصدق نبوءته ونظل مخلصين لهم بعدها بأكثر من أربعين عاما.

لينك رائع يحتوي على حوالي 22 كتاب لمحمود السعدني

Tuesday, October 26, 2010

حلقة 20 - محمد خان

حلقة 20

محمد خان

26 أكتوبر 1942

مسقط رأس: القاهرة

تعمدت أن أؤجل الكتابة احتفالا بعيد ميلاده الثامن والستين إلى ما بعد نهاية اليوم مراهنا نفسي على مرور يوم ميلاده مثل أفلامه، هادئا وراقيا وبعيدا عن الجعجعة والصوت العالي. لم يحتفل أحد بعيد ميلاد محمد خان سواه، بطريقة بسيطة (لم يقصد بالطبع بها أن تكون احتفالا)، وهي كتابة ثلاث تدوينات جديدة على مدونته ذائعة الصيت "كليفتي"، ليواصل إبهاره المستمر لي.

سر انبهاري الدائم بمحمد خان يعود لعدة أسباب أهمها عشقه الحقيقي لفن السينما وقدرته الفائقة على المواصلة، أنت أمام رجل على أعتاب السبعين من عمره يملك من الشهرة والتاريخ ما يكفل له أن يحيا بهدوء ويظل رمزا من رموز السينما المصرية، لكنه مقابل ذلك لا يكل ولا يمل، يتنقل من مكان لمكان لمشاهدة الأفلام وزيادة رصيده منها، ويعود لمنزله ليكتب سطورا بالمدونة عن كل فيلم يراه، بحماس شاب في العشرين ومثابرة ودأب يصعب العثور على مثيل له، ويكفي أنه من ضمن عشرات المدونات التي خصصها أصحابها للسينما (ومنهم كاتب هذه السطور) بقيت "كليفتي" هي الأكثر نشاطا واستمرارا ومتابعة لكل ما هو جديد، وأذكر أنني وخلال 48 ساعة في شهر ديسمبر الماضي قابلت محمد خان أربع مرات: مرة في سيتي ستارز يحضر عرضا من عروض بانوراما السينما الأوروبية صباحا، والثانية في نايل ستي يحضر العرض الخاص بفيلم بالألوان الطبيعية مساءا، ثم عصر اليوم التالي يبحث عن كتاب سينمائي بمكتبة مدبولي بوسط البلد، والأخيرة مساءا في دار الأوبرا يشاهد فيلما من أفلام إسبوع السينما الفلسطينية!!.. لا عجب فمحمد خان يكتب ويقرأ ويشاهد ويتحرك من مكان لمكان من أجل حياته.. من أجل السينما التي عشقها فمنحها مجموعة من أبدع أفلام تاريخنا السينمائي، ومنحته حب واحترام الملايين.

سبب آخر لانبهاري بخان هو تفرده، فمحمد خان بالفعل لا يشبه إلا محمد خان، هو أحد الظواهر الإخراجية المعدودة في تاريخنا التي تمتلك سمات خاصة تميزها تماما عن غيرها.. خان كان قادرا على خلق عالمه الخاص به فلم يحاول تقليد غيره، وحاول الكثيرون أن يقلدوه فكان كل ما جنوه هو ذاك الوصف الذي أصبح متعارفا عليه سينمائيا، فكان كل من يشاهد فيلمهم يخبرهم (وفي ذلك قمة الإطراء) أن فيلمهم "خاني" جدا!

حمل مجموعة من أفضل أفلام محمد خان

الحريف

ضربة شمس

أحلام هند وكاميليا

زوجة رجل مهم

يوم حار جدا

مشوار عمر

Sunday, October 24, 2010

حلقة 19 - نجيب سرور

حلقة 19

نجيب سرور

1 يونيو 1932 – 24 أكتوبر 1978

مسقط رأس: إخطاب – الدقهلية

أملك الكثير والكثير والكثير لأقوله عن نجيب سرور في ذكرى رحيله الثانية والثلاثين، أملك الكثير لدرجة أنني لا أعرف كيف أبدأ الحديث عن الرجل الذي قررت منذ فترة طويلة أن يكون هو مثلي الأعلى ووالدي الروحي. هو أكثر شخص تمنيت لو كان القدر قد سمح لي بلقاءه، ولكنني –للأسف- قد أتيت لهذه الدنيا بعد أن كان قد ودعها هو بنفس الصورة التي ظل عليها طوال حياته: ثائرا ومقهورا ومظلوما ومشردا، وقويا وشامخا شموخ العمالقة والموهوبين.

موهبته كانت أكبر من أن يحتملها جسده الهزيل، وإيمانه بما يفعل كان أكبر من أن يحتمله مجتمع كالذي عاش فيه. شاعر يكتب بالفصحى والعامية بتمكن مذهل، ومؤلف مسرحي يعد علامة فارقة في تاريخ المسرح المصري، ومخرج وممثل ذو خضور طاغ، وناقد أدبي ثاقب الرؤيا وجزل الإسلوب، وقبل هذا وفوقه رجل بمعنى الكلمة، يعلم أن الرجولة هي قول وفعل ما تؤمن به والاستعداد للموت جوعا دونه، لا أن تملأ الدنيا صراخا بقيم وقناعات أنت نفسك مستعد للتضحية بها عند أول فرصة!

جاع نجيب سرور وتشرد وعاش ومات فقيرا ليس بسبب معارضته للنظام ولا بسبب فنه اللاذع كما يعتقد الجميع، فالحقيقة أن غيره الكثيرون ممن كانوا أعلى صوتا في النقد والمعارضة عاشوا ويعيشون بيننا الآن مستفيدين من ماضيهم ومواهبهم في جمع الثروات. ولكن الحقيقة أن نجيب سرور قد قُتل ألف مرة حيا وميتا لأنه مثّل لهؤلاء الشيء الوحيد الذي لا يقدرون على فعله: الاتساق بين القول والفعل، دون أدنى فرصة للتنازل أو التراجع تحت أي ظرف مهما كان صعبا.

لن أتغنى بموهبة نجيب سرور التي هي أكبر من قدرتي على النقد، ولكنني سأكتفي بمشهد يلخص القيمة الأهم في حياته: الرجل الموهوب المظلوم يعيش في شقة خاوية بميدان الجيزة، يعاني من مضاعفات مرض السل ولا يملك تكاليف العلاج، ولا يملك أي مصدر دخل ينفق منه على ابنيه وزوجته، يتلقى اتصالا من مسئول كبير بوزراة الإعلام يطلب مقابلته، فيسير من ميدان الجيزة حتى ماسبيرو لأنه لا يمتلك أجرة المواصلات، يقابل المسئول فيقدم له عرضا مغريا، تأليف وإخراج خمس عشرة مسرحية لحساب التلفزيون المصري، على أن تكون كلها مسرحيات صيفية خفيفية تحتوي على أغاني ورقصات دون "كلام كبير" مما اعتاد عليه نجيب، نظير الحصول على خمسة آلاف جنيه عن كل مسرحية (وما أدراك ما قيمة المبلغ خلال سبعينات القرن الماضي)، فيكون رد نجيب سرور بمنتهى البساطة أن يغادر المكتب ويعود ماشيا لمنزله، ليموت بعدها بأشهر قليلة دون أن يترك لأبناءه أي شيء سوى سيرته الطيبة، ونزاهته التي يشهد بها العدو قبل الصديق.

حمل مجموعة من أهم كتابات نجيب سرور

ديوان بروتوكولات حكماء ريش

تحت عباءة أبي العلاء

حوار في المسرح

هموم الأدب والفن

الأميات كاملة

Saturday, October 23, 2010

حلقة 18 - بهجت عثمان

حلقة 18

بهجت عثمان

1931 – 3 يونيو 2001

مسقط رأس: بولاق – القاهرة

هي المرة الأولى التي أخرق فيها قانون التواريخ تلبية لرغبتي في الكتابة عنه، فاقنعت نفسي أن تاريخ ميلاده المجهول هو تاريخ اليوم!

بالصدفة وقع تحت يدي اليوم كتابي كاريكاتير للرسام بهجت عثمان أو "بهاجيجو" كما كان يحب أن يطلق عليه، الأول هو كتاب "حكومة وأهالي وخلافه" والثاني هو "الديكتاتورية للمبتدئين"، بسرعة خارقة استمتعت بالكتابين شديدي البساطة والإمتاع والتركيز، وبعدها انطلقت افتش على صفحات الانترنت لأقرأ كل ما كتب عن بهجت، وكل ما هو منشور من رسومه على صفحات الانترنت من أجل محاولة العثور على جديد أكتبه في هذه السطور.

ومشاهدة رسوم بهجت تغريك (كما هي العادة مع رسامي الكاريكاتير المتميزين) أن تتحدث عن روح الطفولة البارزة التي تطغي على العمل المحمل بمعاني كبيرة ومهمة، المعاني والملاحظات الذكية التي تغريك هي الأخرى بالحديث عن قوة ملاحظة الرسام ونظرته الثاقبة التي جعلته يرسم قبل ربع قرن أوضاعا سياسية لا تزال موجودة حتى يومنا هذا. ولكني فضلت أن أترك هذه التقليديات وأختار ثلاثة لمحات كفيلة بتوضيح الفيلسوف داخل هذا الرجل الذي فهم الحياة عن حق..

اللمحة الأولى حكاية حكاها الناقد الكبير على الراعي عن حديث أجراه بهجت مع التلفزيون السوري ليسأله المذيع عن سر تراجع فن الكاريكاتير في العالم العربي، فرد بهجت بمنتهى التلقائية: "لان ما يجري الان على الساحة يفوق قدرة أي فنان على رسم الصور الكاريكاتورية"!

اللمحة الثانية هي توقفه في سنوات عمره الأخيرة عن رسم الكاريكاتير والاتجاه بمشروعه الفني نحو الرسم للأطفال وزرع القيم داخلهم، وهو ما فسره أنه وجيله عاشوا عمرهم محاولين تحقيقي مقولة "نحو غد أفضل" ليكتشفوا أنهم كانوا موهومين بإمكانية تحقيق ذلك في ظل الوضع الراهن، فقرر أن يغير شعاره إلى "نحو بعد غد أفضل" كي يزرع في الأطفال صورة المجتمع الذي كان يتمنى أن يراه أثناء حياته!

اللمحة الثالثة هي مجموعة من تعليقات رسومه باهرة الجمال شديدة العمق، فهاهو رجل يخبر صديقه بأنه احتفل بعيد الشرطة قائلا "صحيت الفجر فتشت الشقة وبهدلتها وخدتني قلمين ونمت".. وآخر يقترح بأن "يسلموا التموين والمواصلات للداخلية عشان يوحدوا التعذيب".. وثالث يقترح "العودة لاستخدام الورق في بناء العقول، والدبش والزلط في بناء العمارات لأن الانهيار يحدث بسبب العكس في الاستخدام"!!!

أرجوكم حملوا كتب بهجت عثمان الكاريكاتورية، وابحثوا عن رسومه على موقع جوجل

الديكتاتورية للمبتدئين

حكومة وأهالي وخلافه

الموقع الرسمي للفنان بهجت عثمان

حلقة 17 - حسن عابدين

حلقة 17

حسن عابدين

21 اكتوبر 1931 – 5 نوفمبر 1989

مسقط رأس: بني سويف

ليس من السهل على الإطلاق أن يصبح الممثل نجما وهو على بعد أعوام قليلة من سن الخمسين، وليس من السهل على الإطلاق أن يقبل ممثل أن يلعب دور الأب لزملاء يقاربونه العمر أم يفوقونه سنا فقط لأن الناس يحبون مشاهدته أبا، وليس من السهل على الإطلاق أن تتسبب مجموعة أعمال معدودة في دخول قلوب الجمهور والبقاء فيها يصورة أبدية، وليس من السهل على الإطلاق أن تدشن لفن جديد هو فن "إعلان دراما النجم" لتظل ما يزيد من ربع قرن أشهر وأنجح وأطرف من قام بهذا النوع من الإعلان.. باختصار.. ليس من السهل أبدا أن تكون حسن عابدين!

شاهد مقاطع للنجم حسن عابدين

مشهد شهير من فيلم درب الهوى

اعلان سر شويبس – الفك المفترس

اعلان سر شويبس – مارجريت

اعلان سر شويبس – الصعيد

اعلان سر شويبس – الحرس البريطاني

اعلان سر شويبس – المايسترو

اعلان سر شويبس – جي ار

مقطع من مسرحية على الرصيف – مين اللي سرق مصر؟

Wednesday, October 20, 2010

حلقة 16 - محمد فوزي

حلقة 16

محمد فوزي

18 أغسطس 1918 – 20 أكتوبر 1966

مسقط رأس: كفر أبو الجندي – طنطا – الغربية

بإمكاني أن أجد لك عشرات الأشخاص ممن يكرهون أم كلثوم، أو يثير صوت عبد الحليم أعصابهم، أو يجدون وردة زاعقة الصوت غير ممتعة، فدائما ما يوجد لأي فنان ناجح محبين وكارهين، ولكن محاولة العثور على شخص لا يحب محمد فوزي (ولن أقول يكرهه) هي أمر عسير ستدرك إذا ما حاولت فعله سر هذا الطفل الكبير: حب الناس.. تلك الهبة الربانية التي لا يمكن تعلمها أو استيرادها.. والتي منح الله لفوزي أسرارها.

مختلف بشدة هو، عسير على التقليد، لأنه لا يشبه غيره ويصعب جدا أن تشبهه، غني فدخل قلوب الجميع من العاشقين المتيمين إلى الأطفال المشتعلين بالحياة، ومثل فصار أحد أنجح المطربين الممثلين في تاريخنا بموهبته الفطرية وخفة ظله التي لا تقاوم، ولحن فأهدى المكتبة العربية بألحان متنوعة بصورة مذهلة: من الرومانسي الحالم في "يا اعز من عيني" لليلى مراد، إلى الرومانسي خفيف الظل في "مال القمر ماله"، إلى الشعبي في "ساكن في حي السيدة"، وحتى أغنيات الأطفال الخالدة وعلى رأسها بالطبع "ماما زمانها جاية".

هذا بالإضافة لوقوفه كهرم شامخ من أهرام الصناعة الوطنية المصرية، وحكاية شركة "مصرفون" التي أسسها لا يزال الجميع يتداولونها: الشركة التي حطمت الاحتكار الأجنبي لسوق الاسطوانات، كان الأجانب يحتكرون بيع الاسطوانات بسعر جنيه للاسطوانة الهشة سهلة الكسر التي يمكن التسجيل على وجه واحد منها، فجاء فوزي ليهدي المصريين اسطوانة مقاومة للكسر يمكن التسجيل على وجهيها وبسعر 35 قرشا فقط!!.. وهو أول من أسس نظام التعاقد مع المطربين ليحصلوا على نسب من مبيعات أغنياتهم فكان الإرهاصة الأولي في الشرق الأوسط لمفهوم حق الأداء العلني. "مصرفون" التي أسسها فوزي الفلاح ابن محافظة الغربية بعرقه ودمه ووضع فيها كل ما يملك، والتي استيقظ يوما ليجدها قد تم تأميمها مثل مصانع الإقطاعيين لتكون الضربة التي أدخلته دوامة المرض حتى اختطفه الموت.

شاهد واستمع لاغنيات والحان محمد فوزي

مال القمر ماله – تسجيل نادر

ذهب الليل وطلع الفجر

ليا عشم وياك يا جميل

ماما زمانها جاية

شحات الغرام

Saturday, October 16, 2010

حلقة 15 - عبد الحليم محمود

حلقة 15

عبد الحليم محمود

12 مايو 1910 – 17 أكتوبر 1978

مسقط رأس: أبو أحمد – بلبيس – الشرقية

تحل غدا الذكرى الثانية والثلاثين لرحيل الإمام الأكبر عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وباعث نهضته ومستعيد هيبته. رجل الدين الاسثنائي الذي تحمل سيرته ثلاثة ملامح هامة تلخص كل ما تعانيه حاليا مع علماء الدين (أو لنقل الشيوخ لأن وصف معظمهم بعلماء الدين ظلم لهم وللدين!). الملمح الأول هو الانفتاح على الآخر وطلب العلم الحديث، فالرجل القروي الأزهري اختار أن يسافر على نفقته الخاصة لينال شهادة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من فرنسا، لم ينغلق على ذاته ويكفر الغرب بل ذهب بإراداته الحرة لينهل العلم ويعود مالكا لغة وثقافة ما كان لينالها لو أصر على البقاء، ويظل طيلة عمره يكتب بالعربية والفرنسية ليثري المكتبة الإسلامية بأصول وليست تراجم.

الملمح الثاني هو احتضان الآخر ونبذ الخلاف والفرقة، لن أتحدث عن دوره في تقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر في أزمة الصحراء المغربية ولا عن نبذه للحرب الأهلية اللبنانية ومجهوداته لإيقافها، ولكني سأهتم أكثر باحتضانه للصوفية، فأصبح التصوف والسنة في عهد شياخته رافدان للثقافة الإسلامية يجمعهما قلعة عظيمة هي الأزهر الشريف. لم يكفر الفرق الأخرى ولم يصمها عبر الفضائيات بالتخلف والشذوذ والمعاصي، بل جمع الكلمة تحت مظلة واحدة.

الملمح الثالث وهو الأهم أنه مثال للشيخ الذي عرف يقينا أن خير الجهاد هو كلمة الحق عند سلطان جائر،فلم يخش أن يتخذ مواقفا حاسمة وقاطعة في وجه رئيس الدولة، فرفض بشكل قاطع محاكمة المدنيين أمام محكمة عسكرية حتى لو كان هؤلاء المتهمين من جماعات التكفير والهجرة، ووقف في وجه قانون الأحوال الشخصية الذي رآه مخالفا للشريعة بالرغم من تأييد زوجة الرئيس للقرار لينتصر هو ويتم تغيير النقاط التي اعترض عليها، ثم وقف في وجه الرئيس السادات عندما أراد أن يقوض سلطة شيخ الأزهر ويسلبه مسئولياته، فاستقال ورفض استلام مرتبه وفشلت كل مساعي دفعه للتنازل أو المهادنة لتكون النتيجة هي انصياع الرئيس وتراجعه عن القرارات. الأمر لا علاقة له بالعناد أو الإصرار على الرأي بقدر ما به من خلق العلماء بقول الحق والعمل به ولو كره أصحاب السلطة، الرجل وقف خلف ما يراه صحيحا حتى النهاية، فلم تكن مواقفه هزيلة هشة متلونة بلون الحاكم، ولم يبتعد عن شئون الحكم ويتركها ليفسدها الساسة لينشغل بالعلوم الشكلية وطرق ارتداء الملابس وأداء العبادات، وبكل تأكيد لم يلق بفتوى سجلت بالصوت والصورة ليخرج بعدها بأيام مذعورا يكذب بكل جبن ما هو مثبت للجميع خوفا من بطش أو عقاب!

حمل عدد ضخم من مؤلفات وتراجم الإمام الأكبر

المجموعة الأولى (12 كتاب)

المجموعة الثانية (10 كتب)

المجموعة الثالثة (9 كتب)

المجموعة الرابعة (8 كتب)

Friday, October 15, 2010

حلقة 14- منير مراد

حلقة 14

منير مراد

13 يناير 1922 – 17 أكتوبر 1981

مسقط رأس: القاهرة

إذا سألت أي شخص عن معلوماته عن منير مراد ففي الأغلب سيجيب بثلاثة معلومات محفوظة: هو شقيق الفنانة ليلى مراد، كان يهودي الديانة واشهر إسلامه، اشتهر بتقليد الفنانين. ثلاثة معلومات مقتضبة تبدو وكأنها تصف شخصا عاش على هامش الحياة مستمدا قوته من شهرة شقيقته المغنية المشهورة. ولكن الحقيقة ومالا يعرفه الكثيرون (ويعرفه البعض دون أن يهتم به) هي أن منير مراد هو أحد العلامات الفارقة في تاريخ الفن المصري. الرجل الوسيم صاحب الملامح الشابة كان أحد المواهب المشتعلة، يغني ويرقص ويمثل ويقلد ويؤلف..وقبل ذلك بالطبع يلحن. فمنير مراد هو أحد مجددي الموسيقى المصرية المشهود لهم بالبصمة الواضحة، ويقول البعض أن رصيده من الألحان قد تخطى الثلاثة آلاف لحن، فقد كان يلحن عناوين الأخبار والأقوال المأثورة وكل ما يستمع إليه من عبارات قابلة للتلحين، يصبغها كلها بروحه الخفيفة المليئة بالحيوية والانطلاق. ليمنح التاريخ الغنائي أعمالا خالدة منها تعالى أقولك، حاجة غريبة، ضحك ولعب وجد وحب، وحياة قلبي وأفراحه، بكره وبعده، بأمر الحب، باحلم بيك، إن راح منك يا عين، دور عليه تلقاه، سوق على مهلك، يا دبلة الخطوبة، كعب الغزال، دقوا الشماسي، أول مرة تحب يا قلبي، وغيرها من الألحان الخالدة لهذا الموهوب الذي عاش ملء السمع والبصر ومات فنساه الجميع.

شاهد الحان واسكتشات لمنير مراد

هنا القاهرة (محدش شاف) أشهر اسكتشاته

سكتش يا حضرات المستمعين من فيلم نهارك سعيد

وحياة قلبي وافراحه لعبد الحليم ولحن مرتبط بالنجاح مدى الحياة

اسكتش احنا التلاتة من فيلم انا وحبيبي

يا دبلة الخطوبة لشادية وارتباط دائم بالفرحة

اول مرة تحب يا قلبي لعبد الحليم

Wednesday, October 6, 2010

حلقة 13 - عاطف السادات


حلقة 13

عاطف السادات

13 مارس 1948 – 6 اكتوبر 1973

مسقط رأس: القاهرة من أسرة ترجع لميت أبو الكوم – المنوفية

العديد والعديد من الكلام تم كتابته طوال السبعة والثلاثين عاما الماضية عن شهداء أكتوبر، وعن الشهيد محمد عاطف السادات تحديدا بحكم أمرين أولهما بالطبع أنه شقيق رئيس الجمهورية، وثانيهما كونه الشهيد الوحيد من أفراد الطلعة الجوية الأولى (التي أصبح بطلها لاحقا شخص آخر). والحديث مجددا عن النصر والشهادة أمر مكرر، فلنتحدث قليلا عن الهزيمة والحياة.

عن شاب وسيم عاش على وجه الأرض لربع قرن، هي بالضبط سنوات الحروب المصرية الإسرائيلية المباشرة، عن شاب قضى حياته يتعلم قضية شارك بدمه في حسمها. وحياة عاطف السادات القصيرة التي لا نعرف عنها الكثير لابد وأن تجعلنا نفكر قليلا في شكل المجتمع الذي جعل شاب شقيقه الأكبر هو نائب رئيس الجمهورية ينهي دراسته الثانوية فيقرر الالتحاق بالكلية الجوية بدلا من أن يدرس (مثلا وكما هو حادث الآن) في إحدى جامعات أوروبا. ثم يصر بعدما يصبح شقيقه هو الرئيس أن يواصل حياة الجندية بحذافيرها، بل ويصر على الاشتراك في الطلعة الأولى ليقاتل فيها ببسالة كما فعل كل أقرانه بالجيش لترتوي الرمال بدمه ودم من معه من رجال.

تخيل معي شخص بنفس ظروف عاطف الأسرية حاليا، وتأكد من أننا حاليا لسنا في حالة حرب يخشي فيها الشاب على حياته، وفكر معي في الطريق الذي كان شاب مثله ومن أسرة كأسرته سيختاره. الدراسة في الخارج؟ ثم مشروع تجاري ضخم ربما يكون توكيلا عالميا لسلعة؟ ولماذا لا تكون هذه السلعة سلاحا على سبيل المثال؟ لا أعرف سيناريو محدد ولكني متأكد من أن الاختيار لن يكون الجندية. ولا أعرف حقيقة إذا ما كانت العسكرية نفسها لم تعد مضربا للفخر، أم أن افتقاد الهدف القومي هو ما قادنا لهذا الحال. لكن لا يمكن ألا أسأل نفسي إذا ما كنا في حاجة لحرب جديدة لينبت فينا عاطفا جديدا؟ أم أن الحرب وقتها ستكون مجرد وسيلة لتزداد مليارات أصحاب نفس ظروفه الأسرية حاليا؟